- ص 289 - قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا ، وَإِنَّهَامِثْلُ الْمُسْلِمِ ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِيشَجَرِ الْبَوَادِي ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ ، فَاسْتَحْيَيْتُ ثُمَّقَالُوا : حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : هِيَالنَّخْلَةُ ، قَالَ : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ
لِعُمَرَ فَقَالَ : لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَ هِيَ النَّخْلَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا
) أَمَّا قَوْلُهُ : ( لَأَنْ تَكُونَ ) فَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ( الْبَوَادِي )
- ص 290 - وَفِي بَعْضِهَا ( الْبَوَادِ ) بِحَذْفِ الْيَاءِ ، وَهِيَ لُغَةٌ .
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ : مِنْهَا اسْتِحْبَابُ إِلْقَاءِالْعَالِمِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ ، لِيَخْتَبِرَ أَفْهَامَهُمْ، وَيُرَغِّبَهُمْ فِي الْفِكْرِ وَالِاعْتِنَاءِ .
وَفِيهِ : ضَرْبُ الْأَمْثَالِ وَالْأَشْبَاهِ .
وَفِيهِ : تَوْقِيرُ الْكِبَارِ كَمَا فَعَلَ
ابْنُ عُمَرَ لَكِنْ إِذَا لَمْ يَعْرِفِ الْكِبَارُ الْمَسْأَلَةَ فَيَنْبَغِي لِلصَّغِيرِ الَّذِي يَعْرِفُهَا أَنْ يَقُولَهَا .
وَفِيهِ : سُرُورُ الْإِنْسَانِ بِنَجَابَةِ وَلَدِهِ ، وَحُسْنِ فَهْمِهِ ، وَقَوْلُ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَ هِيَ النَّخْلَةُأَحَبُّ إِلَيَّ ) أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو لِابْنِهِ ، وَيَعْلَمُ حُسْنَ فَهْمِهِوَنَجَابَتِهِ .
وَفِيهِ فَضْلُ النَّخْلِ .
قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَشَبَّهَ النَّخْلَةَ بِالْمُسْلِمِ فِي كَثْرَةِخَيْرِهَا ، وَدَوَامِ ظِلِّهَا ، وَطِيبِ ثَمَرِهَا ، وَوُجُودِهِ عَلَىالدَّوَامِ ، فَإِنَّهُ مِنْ حِينِ يَطْلُعُ ثَمَرُهَا لَا يَزَالُيُؤْكَلُ مِنْهُ حَتَّى يَيْبَسَ ، وَبَعْدَ أَنْ يَيْبَسَ يُتَّخَذُمِنْهُ مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ ، وَمِنْ خَشَبِهَا وَوَرَقِهَاوَأَغْصَانِهَا ، فَيُسْتَعْمَلُ جُذُوعًا وَحَطَبًا وَعِصِيًّاوَمَخَاصِرَ وَحُصْرًا وَحِبَالًا وَأَوَانِيَ وَغَيْرَ ذَلِكَ ، ثُمَّآخِرُ شَيْءٍ مِنْهَا نَوَاهَا ، وَيُنْتَفَعُ بِهِ عَلَفًا لِلْإِبِلِ ،ثُمَّ جَمَالُ نَبَاتِهَا ، وَحُسْنُ هَيْئَةِ ثَمَرِهَا ، فَهِيمَنَافِعُ كُلُّهَا ، وَخَيْرٌ وَجَمَالٌ ، كَمَا أَنَّ الْمُؤْمِنَخَيْرٌ كُلُّهُ ، مِنْ كَثْرَةِ طَاعَاتِهِ وَمَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ ،وَيُوَاظِبُ عَلَى صَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ وَقِرَاءَتِهِ وَذِكْرِهِوَالصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ ، وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ،فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي وَجْهِ التَّشْبِيهِ ، قِيلَ : وَجْهُالشَّبَهِ أَنَّهُ إِذَا قَطَعَ رَأْسَهَا مَاتَتْ بِخِلَافِ بَاقِيالشَّجَرِ ، وَقِيلَ : لِأَنَّهَا لَا تَحْمِلُ حَتَّى تُلَقَّحَ .وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ : ( فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي ) أَيْ : ذَهَبَتْأَفْكَارُهُمْ إِلَى أَشْجَارِ الْبَوَادِي ، وَكَانَ كُلُّ إِنْسَانٍيُفَسِّرُهَا بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ شَجَرِ الْبَوَادِي وَذَهِلُوا عَنِالنَّخْلَةِ .